عام 2024- تطرف المناخ وسياسة واندثار الضمير

المؤلف: عبده خال10.24.2025
عام 2024- تطرف المناخ وسياسة واندثار الضمير

ماذا يمكننا أن ندون عن عام 2024 المنصرم؟

إذا ما أردنا استحضار الأحداث الجديرة بالتذكر، فسنجد وفرة زاخرة تستدعي التدوين والتسجيل في هذه السنة الكبيسة، التي تُعد الأشد وطأة من حيث ارتفاع درجات الحرارة، وتقلبات السياسة، ووقوع الكوارث المدمرة. إنها الحقبة الزمنية العصيبة التي غيّرت ملامح المناخ، وبرز ذلك جلياً من خلال المرثية التي عكستها "قمة المناخ"، وما ستجلبه من مشقة وأعباء جمة على الدول الفقيرة والنامية. ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل تجلّى من خلالها التطرف بكل أشكاله وصوره، سواء تطرف الطقس وتقلباته العنيفة، أو تطرف الاقتصاد وتداعياته، أو التطرف السياسي وانقساماته الحادة، أو تطرف الحروب والصراعات، أو حتى تطرف حالاتنا النفسية وتقلباتها المزاجية الحادة.

وكل ما يجري حولنا ينعكس بصورة مباشرة على أنفسنا وذواتنا، فباعتبارنا نعيش في وعاء صغير يسمى العالم، فإن أي اهتزاز أو اضطراب يصيب هذا الوعاء يؤثر علينا بشكل مباشر وفوري.

هذا العام، استحوذت قنوات الأخبار على اهتمامنا وسكنت عقولنا، وهي قنوات لا تنفك تسكب على رؤوسنا أنقاض العالم، ولا تحمل في طياتها بشائر تفاؤل بمستقبل أفضل. فقد شهدت (74) دولة انتخابات رئاسية وتشريعية، أسفرت في معظمها عن فوز اليمين، وجاءت نتائجها الأخيرة تنذر بسقوط مدوٍ للأخلاق الأممية، حاملة حقوق الإنسان كمنشفة بالية لمسح العار الأممي عن واجهات اللوحات المضيئة بقيم زائفة ومضللة، تلك القيم التي طالما وخزت بها الشعوب على أنها مضاد لأكسدة أفكار الحرية والعدالة والخير. إنها سنة هوت فيها قيم الضمير الإنساني دون أي مقاومة تذكر، أو دون الاستناد إلى أي قوة عالمية سواء كانت دولاً أو منظمات. لقد كان عاماً مشؤوماً لطخ وجه العالم المتحضر بالسواد القاتم، وإن ظلت ومضات الإعلانات البراقة تجمل ما حدث على أنه حق يراد تثبيته بأيدي القوى الغاشمة.

إنه عام سيشكل أساساً أو قاعدة صلبة لما سيحدث في الأعوام القادمة والمستقبلية.

عام بائس ومحزن للعالم أجمع، إلا أن وقعه اختلف من شخص لآخر، فكل كائن حي التجأ إلى ما يحب ويهوى، متناسياً ما يمكن أن يحدث من مصائب وويلات، أو تخلى عما يعكر صفوه ويقض مضجعه. ولأنني صاحب مقولة راسخة:

"لكي تحافظ على سلامة عقلك عليك الهروب إلى حقول الفن الغناء"، فقد هربت مبكراً إلى ذلك العالم الفسيح والرحب، مستمتعاً بكل ما تنتجه القوى الناعمة من لوحات تشكيلية آسرة، وأفلام سينمائية مشوقة، وروايات أدبية ممتعة، وقصائد شعرية عذبة، ومسرحيات فنية راقية، ومباريات كرة القدم المثيرة، وكذلك انشغلت بإنهاء روايتي الأخيرة "كان رحماً منبثاً"، التي توصلت من خلالها إلى حقيقة خاصة بي، انطلقت من أن حياتنا بأكملها بحاجة ماسة إلى رحم يحميها من تردي الواقع وانحداره، إلا أن ذلك الواقع بات منبثاً في كل مكان.

فهل في كلماتي هذه نَفَسٌ من التشاؤم واليأس؟ كل ما أتمناه أن أكون على خطأ، وأن يكون العالم في حالة مخاض عسير لولادة حياة كريمة لهذه البشرية المنهكة والمتداعية في مختلف جوانب الحياة، مع التسليم بأن الأماني وحدها لا تكفي ولا تتحقق، بينما الرجاء هو المتحقق والواقع. فكل ما أرجوه أن يستعيد العالم رحم الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة المبثوثة في كل مكان.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة